الدوحة غراند بارك في قطر
أفكار التصميم:
لقد تم دراسة وتحليل الوضع الراهن للمشروع بكل عناصره بشكل متكامل ومتّزن لنتمكّن من تصميم المستقبل بالشكل الأمثل الذي يلبّي مقتضيات الوظائق الجديدة للمنتزه بشكل ممتاز. كذلك تم دراسة الوضع الطبوغرافي ولازراعي وطبيعة التربة والرؤيا والاتّجاهات والمناخ والبيئة لنتمكن من وضع كل عنصر ومحور في موضعه السليم.
بالرغم من محاولتنا تلبية كل الحاجات بشكل ممتاز لكنّنا لم نغفل عامل التجدّد والابتكار، بدون التخلي عن الأصول العلمية والجمالية، فالحديقة هي أوّلاً وأخيراً مكان التنزّه والاستجمام والترفيه والرياضة والثقافة وتجدّد الروح وازدياد العلم فتصميمنا أعطى هذه الوظائف كل حقها حتى آخر حد ممكن، وكانت الحاجات الطبيعية والعفوية للإنسان هي إمامنا في التصميم الجمالي والتقني، حتى نحصل على منتزه يرضي القلب والروح والعقل ويأخذ الإنسان في كل جزء من أجزاءه إلى حالة من الرضا والسعادة والإستزادة من كل زاوية وكل حجر.
ابتعدنا عن النمطية والتكرار قدر المستطاع لنحصل على بستان جميل من الزهور الملونة والمختلفة الأشكال، ليكون التصميم كباقة ورد منسّقة أشبه ما تكون بباقة زهور إيكيبانا يابانية تهدي للتأمل الروحي لتوصل إلى الاستنارة فالوصل.
أقنية المرور المتعدّدة بمختلف أنواعها الراهنة والمستقبلية صمّمت بفكر هندسي مبدع وعملي، وجاء توزيع الوظائف في الأمكنة بشكل متّزن ومتآلف يشوق الإنسان إلى المضي أكثر وأكثر للشرب من هذا النهر البارد الغزير الذي يثلج الفؤاد ويضيء العين. ابتعدنا في تصميمنا لدوائر الممرات والتواءاتها عن الخطوط الهندسية القاسية وعن الخطوط العضوائية، فالتصميم يخلق تمازج طبيعي ومرن بين مختلف الفعاليات المساحات والممرّات ويجعل التنقل أكثر تشويقاً وإثارة ويجعل المرء أكثر فضولاً بالتعرف على كافة أرجاء المشروع، وهي أشبه بسير متأمّل صوفي في دوائر الفناء ليصل إلى حالة أرقى من المعرفة والصلة.
المحور الرئيسي الدائري هو أحد هذه الممرات وأهمّها، وهو متميّز بعرضه وتباليطه وفرشه، وهو يمثّل النخاع الشوكي والعصب الرئيس للمشروع، فهو ينقلك من مكان لآخر وتتقاطع عنده معظم المحاور الأخرى، ويسير فيه قطار ترفيهي لنقل الناس بيسر وسرعة وسهولة .. وعند وصول المحور لنفق السيارات الرئيس فهو يرتفع تدريجيّاً بحدود أربعة أمتار وكأنّه منصّة مميّزة تشرف على كافة أرجاء ومحيط المشروع.
تم المحافظة على المحور الأثري القديم بشكله وانحنائه وربطه ببوابات تقليدية تراثية تنقلك لملامح قطر القديمة. وأيضاً إن كثيراً من الكتل والبوبات المصمّمة تعكس روح العمارة القطرية التقليدية، فقد تم استخدام نفس العناصر الزخرفية والفتحات والتصاوين والبروزات وذلك لعكس روح الحضارة والعمارة القطرية بشكل واضح في المشروع.
حرصنا في التصميم على تأمير مسارات مختلفة لكل من المتنزّهين بمختلف أنواعهم فالذين يريدون السير على الأقدام لهم مساراتهم الخاصة التي لا يزعجهم فيها أحد، والذين يحبون ركوب الدراجة الهوائية أو الجبلية لهم أيضاً مساراتهم الخاصّة، والذي يرغبون بركوب الخيل أو الجمال يجب ألا يختلطوا بممرات المشاه حتى لا يؤذونهم. والذين يحبون الركض خصّصنا لهم مسارات وأماكن خاصّة للتمتّع برياضتهم، وأعطينا أهمية بالغة لوصول الوفود الرسمية بشكل دقيق وسهل لمنصّة العرض الرئيسية لمشاهدة الاحتفال والمواكب والاستعراضات ثم العودة بأمن وسلام.
صمّمنا بوابات الدخول ومعها كل الخدمات ومواقف السيارات اللاّزمة لتأمين وصول الناس بكافة وسائل النقل بيسر وسلام وسهولة للموقع.
أماكن الخضرة والأشجار على اختلاف أنواعها جاءت لترضي الإنسان بتنويعها ولتذكّره بغنى الجنّة وما فيها من خضار ونعيم. والعناصر المائية المستخدمة بين حين وآخر ما هي إلاّ تذكرة للقلب العاشق العطشان الذي حب أن يرى انعكاس صورة السماء فوق سطح الماء الجميل. كذلك خصّصنا حوالي 25% من مساحة الحديقة لمناطق حدائق جافة فيها العديد من التكوينات المشكلة بالصغر والبحص والمساحات الخضرات التي تدعو للتأمّل وتسمو بالروح إلى الأعلى.
تم وصل جزئي المنتزه المقسوب بشارع مرور سريع ببعضهم البعض عبر خلق نفق للسيارات تحت القسم الواصل بين القسمين، وذلك لتأمير استمرارية الوظائف والمحاور وعدم انقطاعها، كذلك تم رفع المنطقة من المنتزه فوق النفق مباشرة بحوالي أربعة أمتار بشكل متدرّج لتأمين منصّة كبيرة للإشراف على كل الحديقة وعلى منطقة الأبراج المقابلة.
القرية الثقافية العالمية هي مكان تمازج وحوار للحضارات، وكأنّك تقطع من كل بستان وردة. فالزائر يدخل من خلال بوابة رائعة صمّمت كرمز لحوار الحضارات لينتقل بعدها من البيت العربي إلى البيت الأوروبي مروراً ببيت الأدغال والبيت الأندلسي والروماني ثم ليقف ويحتسي فنجاناً من الشاي في غرفة الشاي اليابانية، وبعدها يمر بالبيتيني الأندلسي والإفريقي ثم ليخرج من بوابة مماثلة للتي دخل منها، ما يعطيه إمكانية استعراض هذه القرية باتّجاهين.
الفندق هو عبارة عن مجموعة غرف وفلل منفصلة ومتّصلة صمّمت بطريقة تخلق فيما بينها فضاءات تعايشية وكأنّها حارات وأفنية في بيت دمشقي عريق، وهذا ما انعكس واضحاً في دراسة الواجهات والباليط والسيباطات والبحرات مروراً بأدّق التفاصيل.
المدرج الرئيس تم اختيار موقعه بعناية، وقد راعينا فيه طريقة وصول الوفود وخروجها بأمن ويسر، وموقعه يشرف على الكورنيش البحري ومن ورائه خلفية رائعة لأبراج قطر الجميلة، وتم مراعاة عدم قطع الأشجار الموجودة قدر المستطاع في موقعه وفي كل المواقع الأخرى.
أحطنا سارية العلم القطري المرتفعة في وسط المنتزه بنصب رمزي رائع أسمينا (نصب النهضة العربية) والذي يرمز لما حدث وسيحدث خلال الفترة القادمة. إنّه رزم يمثّل الأمّة العربية المتغيرة وفي قلبها قطر الغالية.
صممّنا بناءاً جميلاً جدّاً أسميناه مركز أطفال قطر مكوّن من ثلاثة قباب جيوديزية وهيكل من صخر طبيعي وصناعي لبركان مائي يحاكي عمل البركان الحقيقي ليلاً بأصواته وألوانه، ومقابله وضعنا بركة فيها نافورة موسيقية جميلة جدّاً، ويشرف عليها وعلى البركان مدرج مغطّى يتّسع لحوالي 200 شخص. وداخل القبب تتوزّع الفعاليات والنشاطات العلمية والثافية والرفيهية لأطفال قطر الأعزّاء مما يسمح له بتقضية أوقات رائعة ومفيدة في هذا البناء الممتع.
وزّعنا في المنتزه عدّة مناطق مناسبة لوضع ألعاب أطفال مميزة تخلق بيئة ترفيهية وتعليمية وتثقيفية عالية للأطفال من كل الأعمار. لأنّنا نعتقد في النهاية أنّ الأطفال هم من أعم مرتادي الحدائق بشكل عام.
زوّدنا المنتزه بكل ما يلزمه من مطاعم على مختلف المستويات. وكذلك زودناه بكل الخدمات الصحية والإدارية اللازمة. مع توزيع مناطق كراسي للجلوس مختلفة التصاميم, ووضعنا عدّة أكشاك للبيع ومواقف للدراجات ومناهل للشرب على طول المنتزه وعرضه.
ولم ننس أنّ نصمّم عدّة برك مائية في المنتزه لتعطيه لمسة هدوء وحنان وشاعرية. وكذلك صمّمنا بعض الساحات المائية التي فيها قواذف مائية أرضية توفّر الكثير من المتعة واللعب والبرودة. فالماء في النهاية هو رمز الحياة.